فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومذهب أهل السنة أن التقية وهي محافظة النفس أو العرض أو المال من نحو الأعداء بإظهار محظور ديني مشروعة في الجملة.
وقسموا العدو إلى قسمين: الأول: من كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين كالمسلم والكافر ويلحق به من كانت عداوته لاختلاف المذهب اختلافًا يجر إلى تكفير أصحاب أحد المذهبين أصحاب المذهب الآخر كأهل السنة والشيعة، والثاني: من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية كالمال والمرأة وعلى هذا تكون التقية أيضًا قسمين: أما الأول: فالتقية ممن كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين حقيقة أو حكمًا وقد ذكروا في ذلك أن من يدعي الإيمان إذا وقع في محل لا يمكن أن يظهر دينه وما هو عليه لتعرض المخالفين وجب عليه أن يهاجر إلى محل يقدر فيه الى الإظهار ولا يجوز له أن يسكن هنالك ويكتم دينه بعذر الاستضعاف فأرض الله تعالى واسعة، نعم إن كان له عذر غير ذلك كالعمى والحبس وتخويف المخالف له بقتله أو قتل ولده أو أبيه أو أمه على أي وجه كان القتل تخويفًا يظن معه وقوع ما خوف به جاز له السكنى والموافقة بقدر الضرورة ووجب عليه السعي في الحيلة للخروج وإن لم يكن التخويف كذلك كالتخويف بفوات المنفعة أو أو بلحوق المشقة التي يمكنه تحملها كالحبس مع القوت والضرب القليل الغير المهلك لا يجوز له الموافقة وإن ترتب على ذلك موته كان شهيدًا، وأما الثاني: فالتقية ممن كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية.
وقد اختلف العلماء في وجوب الهجرة وعدمه فيه فقال بعضم: تجب الهجرة لوجوب حفظ المال والعرض.
وقال جمع: لا تجب إذ الهجرة عن ذلك المقام مصلحة من المصالح الدنيوية ولا يعود بتركها نقصان في الدين إذ العدو المؤمن كيفما كان لا يتعرض لعدوه الضعيف المؤمن مثله بالسوء من حيث هو مؤمن.
وقال بعض الأجلة على طريق المحاكمة: الحق أن الهجرة هاهنا قد تجب أيضًا وذلك إذا خاف هلاك نفسه أو أقاربه أو الإفراط في هتك حرمته، وقال إنها مع وجوبها ليست عبادة إذ التحقيق أنه ليس كل واجب عبادة يثاب عليها فإن الأكل عند شدة المجاعة والاحتراز عن المضرات المعلومة أو المظنونة في المرض وعن تناول السمومات في حال الصحة وما أشبه ذلك أمور واجبة ولا يثاب فاعلها عليها. اهـ.
وفيه بحث وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من زبر العلماء الأعلام، ولعل لنا عودة إن شاء الله تعالى لذكر شيء من ذلك والله تعالى الهادي لسلوك أقوم المسالك.
بقى لنا فيما يتعلق بالآية شيء وهو ما قيل: إنه سبحانه وصف المرسلين الخالين عليهم الصلاة والسلام بأنهم لا يخشون أحدًا إلا الله وقد أخبر عز وجل عن موسى عليه السلام بأنه قال: {إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا} طه: 5 4 وهل خوف ذلك إلا خشية غير الله تعالى فما وجه الجمع؟ قلت: أجيب بأن الخشية أخص من الخوف.
قال الراغب: الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، وذكر في ذلك عدة آيات منها هذه الآية، ونفي الخاص لا يستلزم نفي العام فقد يجتمع مع إثباته، وهذا أولى مما قيل في الجواب من أن الخشية أخص من الخوص لأنها الخوف الشديد والمنفي في الآية هاهنا هو ذلك لا مطلق الخوف المثبت فيما حكى عن موسى عليه السلام، وأجاب آخر بأن المراد بالخشية المنفية الخوف الذي يحدث بعد الفكر والنظر وليس من العوارض الطبيعية البشرية، والخوف المثبت هو الخوف العارض بحسب البشرية بادي الرأي وكم قد عرض مثله لموسى عليه السلام ولغيره من إخوانه وهو مما لا نقص فيه كما لا يخفى على كامل؛ وهو جواب حسن، وقيل: إن موسى عليه السلام ولغيره من إخوانه وهو مما لا نقص فيه كما لا يخفى على كامل؛ وهو جواب حسن، وقيل: إن موسى عليه السلام إنما خاف أن يعجل فرعون عليه بما يحول بينه وبين اتمام الدعوة وإظهار المعجزة فلا يحصل المقصود من البعثة فهو خوف لله عز وجل، والمراد بما نفى عن المرسلين هو الخوف عنه سبحانه بمعنى أن يخاف غيره جل وعلا فيخل بطاعته أو يقدم على معصيته وأين هذا من ذاك فتأمل تولى الله تعالى هداك. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ}.
استئناف لزيادة بيان مساواة النبي صلى الله عليه وسلم للأمة في إباحة تزوج مطلقة دعيّه وبيان أن ذلك لا يخل بصفة النبوءة لأن تناول المباحات من سنة الأنبياء، قال تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا} المؤمنون: 51، وأن النبي إذا رام الانتفاع بمباح لميل نفسه إليه ينبغي له أن يتناوله لئلا يجاهد نفسه فيما لم يؤمر بمجاهدة النفس فيه، لأن الأليق به أن يستبقي عزيمته ومجاهدته لدفع ما أمر بتجنبه.
وفي هذا الاستئناف ابتداء لنقض أقوال المنافقين أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة ابنه.
ومعنى: {فرض الله له} قدّره، إذْ أَذِنَه بفعله.
وتعدية فعل {فرض} باللام تدل على هذا المعنى بخلاف تعديته بحرف على كقوله: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم} الأحزاب: 50.
والسُّنَّة: السيرة من عمل أو خُلق يلازمه صاحبه.
ومضى القول في هل السنة اسم جامد أو اسم مصدر عند قوله تعالى: {قد خلت من قبلكم سنن} في سورة آل عمران (137)، وعلى الأول فانتصاب {سنة الله} هنا على أنه اسم وضع في موضع المصدر لدلالته على معنى فعل ومصدر.
قال في الكشاف كقولهم: تُربًا وجندَلًا، أي في الدعاء، أي تَرب تُربًا.
وأصله: تُرْب له وجندَلٌ له.
وجاء على مراعاة الأصل قول المعري:
تمنتْ قُوَيْقًا والسراة حِيالها ** تُرَابٌ لها من أَينق وجِمال

ساقه مساق التعجب المشوب بغضب.
وعلى الثاني فانتصاب {سنة} على المفعول المطلق، وعلى كلا الوجهين فالفعل مقدّر دل عليه المصدر أو نائبه.
فالتقدير: سَنّ الله سنته في الذين خلوا من قبل.
والمعنى: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم متَّبع سُنَّة الأنبياء الذين سبقوه اتباعًا لما فرض الله له كما فرض لهم، أي أباح.
والمراد ب {الذين خلوا} الأنبياء بقرينة سياق لفظ النبي، أي الذين خلوا من قبل النبوءة، وقد زاده بيانًا قوله: {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه} فالأنبياء كانوا متزوجين وكان لكثير منهم عدة أزواج، وكان بعض أزواجهم أحب إليهم من بعضهن.
فإن وقفنا عند ما جاء في هذه الآية وما بيّنته الآثار الصحيحة فالعبرة بأحوال جميع الأنبياء.
وإن تلقَّيْنا بشيء من الإغضاء بعضَ الآثار الضعيفة التي أُلصِقت بقصة تزوج زينب كان داود عليه السلام عبرة بالخصوص فقد كانت له زوجات كثيرات وكان قد أحب أن يتزوج زَوجة أوريا وهي التي ضرب الله لها مثلًا بالخصم الذين تسَوّرُوا المحراب وتشاكوا بين يديه.
وستأتي في سورة ص، وقد ذكرت القصة في سفر الملوك.
ومحلّ التمثيل بداود في أصل انصراف رغبته إلى امرأة لم تكن حلالًا له فصارت حلالًا له، وليس محلّ التمثيل فيما حَفّ بقصة داود من لوم الله إياه على ذلك كما قال: {وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه} ص: 24 الآية لأن ذلك منتففٍ في قصة تزوّج زينب.
وجملة {وكان أمر الله قدرًا مقدورًا} معترضة بين الموصول والصفة إن كانت جملة {الذين يبلغون} صفة ل {الذين خلوا من قبل} أو تذييل مثل جملة {وكان أمر الله مفعولا} الأحزاب: 37 إن كانت جملة {الذين يبلغون} مستأنفة كما سيأتي، والقول فيه مثل نظيره المتقدم آنفًا.
والقَدَر بفتح الدال: إيجاد الأشياء على صفة مقصودة وهو مشتق من القَدْر بسكون الدال وهو الكمية المحددة المضبوطة، وتقدم في قوله تعالى: {فسالت أودية بقدرها} في سورة الرعد (17) وقوله: {وما ننزله إلا بقدر معلوم} في سورة الحجر (21).
ولما كان من لوازم هذا المعنى أن يكون مضبوطًا محكمًا كثرت الكناية بالقدَر عن الإِتقان والصدور عن العلم.
ومنه حديث: كل شيء بقضاء وقَدر، أي من الله.
واصطلح علماء الكلام: أن القدَر اسم للإِرادة الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه، ويطلقونه على الشيء الذي تعلق به القدَر وهو المقدور كما في هذه الآية، فالمعنى: وكان أمر الله مُقَدَّرًا على حكمة أرادها الله تعالى من ذلك الأمر، فالله لما أمر رسوله عليه الصلاة والسلام بتزوج زينب التي فارقها زيد كان عالمًا بأن ذلك لائق برسوله عليه الصلاة والسلام كما قدر لأسلافه من الأنبياء.
وفي قوله: {الذين يبلغون} جيء بالموصول دون اسم الإشارة أو الضمير لما في هذه الصلة من إيماء إلى انتفاء الحرج عن الأنبياء في تناول المباح بأن الله أراد منهم تبليغ الرسالة وخشية الله بتجنب ما نهى عنه ولم يكلفهم إشقاق نفوسهم بترك الطيبات التي يريدونها، ولا حجب وجدانهم عن إدراك الأشياء على ما هي عليه من حُسْن الحَسَن وقُبْح القَبيح، ولا عن انصراف الرغبة إلى تناول ما حَسُن لديهم إذا كان ذلك في حدود الإِباحة، ولا كلّفهم مراعاة ميول الناس ومصطلحاتهم وعوائدهم الراجعة إلى الحيدة بالأمور عن مناهجها فإن في تناولهم رغباتهم المباحة عونًا لهم على النشاط في تبليغ رسالات الله، ولذلك عقب بقوله: {ولا يخشون أحدًا إلا الله} أي لا يخشون أحدًا خشية تقتضي فعل شيء أو تركه.
ثم إن جملة {الذين يبلغون} إلى آخرها يجوز أن تكون في موضع الصفة للذين خلوا من قبل، أي الأنبياء.
وإذ قد علم أن النبي صلى الله عليه وسلم متبع ما أذِن الله له اتباعه من سُنّة الأنبياء قبله عُلم أنه متصف بمضمون جملة {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا الله} بحكم قياس المساواة، فعلم أن الخشية التي في قوله: {وتخشى الناس} الأحزاب: 37 ليست خشية خَوف توجب ترك ما يكرهه الناس أو فعلَ ما يرغبونه بحيث يكون الناس محتسبين على النبي عليه الصلاة والسلام ولكنها توَقُّع أن يصدر من الناس وهم المنافقون ما يكرهه النبي عليه الصلاة والسلام ويدل لذلك قوله: {وكفى بالله حسيبًا} أي الله حسيب الأنبياء لا غيره.
هذا هو الوجه في سياق تفسير هذه الآيات، فلا تسلك في معنى الآية مسلكًا يفضي بك إلى توهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حصلت منه خشية الناس وأن الله عرّض به في قوله: {ولا يخشون أحدًا إلا الله} تصريحًا بعد أن عرّض به تلميحًا في قوله: {وتخشى الناس} الأحزاب: 37 بل النبي عليه الصلاة والسلام لم يكترث بهم وأقدم على تزوج زينب، فكل ذلك قبل نزول هذه الآيات التي ما نزلت إلا بعد تزوج زينب كما هو صريح قوله: {زوّجناكها} الأحزاب: 37 ولم يتأخر إلى نزول هذه الآية.
وإظهار اسم الجلالة في مقام الإضمار في قوله: {وكفى بالله حسيبًا} حيث تقدم ذكره لقصد أن تكون هذه الجملة جارية مجرى المثل والحِكمة.
وإذ قد كان هذا وصف الأنبياء فليس في الآية مجال للاستدراك عليها بمسألة التقية في قوله تعالى: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} آل عمران: 28. اهـ.

.قال الشعراوي:

قوله تعالى: {مَّا كَانَ عَلَى النبي مِنْ حَرَجٍ} الأحزاب: 38.
أي: إثم أو ملامة {فِيمَا فَرَضَ الله لَهُ} الأحزاب: 38 أي: كيف تلومون رسول الله على تنفيذ أمر فرضه الله له وتأمل {فَرَضَ الله لَهُ} الأحزاب: 38 أي: لصالحه ولم يقُلْ فرض عليه؟ ما دام أن الله هو الذي فرض هذا، فلتُصعِّدوا الأمر إليه، فليس لرسوله ذنب فيه.
وهذه المسألة تشبه تمامًا مسألة الإسراء، فحين أخبر سيدنا رسول الله قومه بخبر الإسراء قالوا: يا محمد أتدَّعي أنك أتيتَ بيت المقدس في ليلة، ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهرًا؟ وهذا غباء منهم لأن محمدًا لم يقل: سريْت إنما قال: أُسْرِي بي. فالذي أسري به ربه- عز وجل- إذن: المسألة ليست من فعل محمد، ولكن من فعل الله.
وسبق أن ضربنا لذلك مثلًا توضيحيًا- ولله المثل الأعلى- قُلْنا: هَبْ أن رجلًا قال لك: أنا صعدتُ بولدي الصغير قمة إفرست أتقول له: كيف صعد ولدك قمة إفرست؟
لكن انتفعنا الآن بقول المكذِّبين: أتدَّعي يا محمد أنك أتيتَ بيت المقدس في ليلة ونحن نضرب إليها أكباد الإبل شهرًا؛ لأن غباء المكذِّب يؤدي به إلى عكس ما قصده من غبائه، فهذا القول اتخذناه الآن دليلًا للرد على مَنْ يقولون بأن الإسراء كان رؤيا، أو كان بالروح دون الجسد.
فلو قال رسول الله: رأيتُ في الرؤيا أني أتيتُ بيت المقدس ما قالوا هذه المقالة، إذن: فَهِمَ القومُ أن رسول الله أتي بيت المقدس بروحه وجسده، وإلا ما قارنوا بين ذهابهم وذهابه، فالذين عاصروا هذه الحادثة قالوا هذه المقالة، فكيف نأتي اليوم لنقول: إن الإسراء كنا منامًا، أو كان بالروح دون الجسد؟
وقوله تعالى: {سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ} الأحزاب: 38 أي: إخوانه من الرسل السابقين، أو فيما كان قبل الإسلام من التعدُّد، فلم يكُنْ رسول الله بدَعًا في هذه المسألة.
{وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَرًا مَّقْدُورًا} الأحزاب: 38 تلحظ أن الآية السابقة خُتِمَتْ بقوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولًا} الأحزاب: 37 فلقائل أن يقول نعم مفعولًا في هذا الوقت الذي حدثتْ فيه هذه الأحداث؛ لذلك قال هنا {وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَرًا مَّقْدُورًا} الأحزاب: 38 أي: أن ما حدث لرسول الله كان مقدرًا أزلًا، ولا شيء يخرج عن تقدير الله، وقد صَحَّ أن القلم قد جَفَّ على ما كُتِب، وعلى ما قُدِر.
{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)}.
وكأن الحق سبحانه يُعيدنا إلى قوله تعالى في نبيه محمد: {وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} الأحزاب: 37 فالرسل لا يخشوْنَ شيئًا في البلاغ عن الله، فكأنه تعالى نفى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن تكون خشيته في البلاغ، إنما خشيته استحياؤه مخافة أنْ تلوكه ألسنة قومه، وإلاَّ فَهُمْ لا يملكون له شيئًا يضره أو يخيفه.
نلحظ هنا أن {الذين يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ الله وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ الله} الأحزاب: 39 هذه العبارة مبتدأ لم يُخبر عنه؛ لأن قوله تعالى: {وكفى بالله حَسِيبًا} الأحزاب: 39 ليس خبرًا لهذا المبتدأ، إنما هو تعليق عليه، فأين خبر هذا المبتدأ؟ قالوا: تقديره، الذين يُبلِّغون رسالات الله.. لا يمكن أنْ يُتَّهموا بأنهم خشنوا الناس من أجل البلاغ.
{وكفى بالله حَسِيبًا} الأحزاب: 39 أي: أنكم لن تحاسبوهم، إنما سيحاسبهم الله، وكان مقتضى الحساب مع رسول الله إنْ فعل ما لا يصحّ منه أنْ تسحب منه الرسالة، وأنْ يأتي الله بنبي آخر، ولم يحدث شيء من هذا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)}.
{ويخشونه} علمًا منهم بأنه لا يُصِيبُ أحدًا ضررٌ ولا محذورٌ ولا مكروهٌ إلا بتقديره فيفردونه بالخشية إذ عَلِموا أنه لا شيءَ لأحدٍ مِنْ دونه. اهـ.